قصة آدم براون! بنى 500 مدرسة بسبب قلم

 

أن تكون إنساناً عادياً بدون أموال طائلة أو أصدقاء معروفين ثم تبدأ بخطوة تكون سبباً في بناء أكثر من 500 مدرسة وتعليم أكثر من 100،000 تلميذ في ثلاثة بلدان، فهذا درسٌ في الحياة يجب أن نتوقّف عنده

 

آدم براون لم يصل إلى هذه النتيجة بالصدفة، ولكنّه سمح للصدفة أن تلعب دوراً مهمّاً في حياته! ولنعرف معنى هذه الجملة يجب أن نرجع إلى بداية هذا الشابّ الذي انتبه إلى المعاني العميقة في حياته وهو صغير. فهو حفيدٌ لامرأة مجتهدة نجت من الموت بأعجوبة عندما كانت طفلة بينما قُتل كلّ أفراد عائلتها في غرف الغاز أيام النازيين. هذه الجدّة التي أحبّته وأحبّها من قلبه وضعت قصص الرعب هذه جانباً بعدما كبرت وصارت مسؤولة عن أسرة، وكافحت هي وزوجها ليمنحا عائلتهما حياةً كريمة بمرور الأيام. وبالعِلم نهضت هذه العائلة ووضعت التعلّم على رأس أولوياتها. وكان امتنان آدم عظيماً لجدّته التي وضعت هذه الأُسس في حياته، وأحسّ أّنه يجب أن يُكرّمها يوماً ما

 

أحبّ آدم الرياضيات وحلم بالعمل في البورصة، وكان قراره بدراسة "اقتصاد الأعمال" في جامعة براون أمراً طبيعياً، فلمع في هذا الاختصاص ولعب في فريق كرة السلة بالجامعة لسنتين. أي أنّه كان مشروع إنسانٍ ناجحٍ. وكانت هذه إشارات واضحة لمستقبله المشرق الذي رسمه له بعض الأساتذة والمقرّبين. وكان سهلاً عليه أن يمشي في هذا الطريق لولا حدوث شيءٍ ما نبّهه إلى إمكانيات كثيرة أخرى. فما هو هذا الشيء؟ ببساطة كان فيلماً سينمائيا! كم جميلٌ أن يُلهمنا ما نُشاهده على الشاشة لنفكر ونتعمق فيما رأينا! يقول آدم عن فيلم "باراكا" الذي تمّ تصويره في مناطقٍ مختلفة حول القارّات، "أجبرني الفيلم على ملاحظة الطرق المختلفة التي يعيش بها الناس حول العالم، خارج الفقاعة الصغيرة التي كنت بداخلها". أمّا الجملة التي بقيت تتردّد في عقله وقلبه بعد هذا الفيلم فهي "أُخرُج من دائرة الأمان"! أراد أن يختبر هذا الشعور ولو لمرّة واحدة في حياته

ولم يتأخّر آدم في الخروج من دائرة أمانه عند أوّل فرصة. إكتشف برنامج لقضاء فصلٍ دراسي على ظهر سفينة كانت تستعدّ للإبحار. هي ببساطة سفينة ركّاب للطلّاب تزور عشرة بلدان من الدول النامية، وترسو في كلّ بلدٍ لمدّة 4 إلى 6 أيّام، وخلال هذه المدة يخرج الطالب حرّاً مستقلاً ليتعرّف إلى كلّ بلد كيفما يشاء، معه حقيبة ظهره فقط. هذه هي الطريقة التي سينسف بها فقاعته، هذا هو المطلوب. ومع أنّ زيارة هذه البلدان مغامرة في حدّ ذاتها، إلا أنّ ما حدث له على ظهر السفينة كان تجربة مثيرة من نوعٍ آخر! فخلال مرورها بالمحيط الهادئ ذاك الشتاء (كانت المرة الأولى –والأخيرة- التي اتخذت السفينة هذا المسار في هذا الوقت من السنة) تعرّضت السفينة لثلاثة عواصف مجتمعة وعلقت بينها حتى ضربتها موجة هائلة بارتفاع 60 قدماً تكسّر بسببها الزجاج وشلّت محرّكاتها وأدوات الملاحة لتُطلق السفينة نداء الاستغاثة على الفور

هكذا، موجة عملاقة قلبت الحكاية رأساً على عقب. كان الغرق متوقعاً، وكان آدم شبه متأكّد أنه سيغرق بعد ساعة في مياه المحيط الهادئ المتجمدة بعيداً عن كل الأشخاص الذين يُحبهم. والسؤال الذي خطر في باله وقتها هو لماذا؟ ما السبب أنّه سيموت الآن؟ ما السبب أنّه هناك؟ لماذا وُلد؟ ما كانت الغاية من وجوده أصلاً؟؟؟ واكتشف أنّ الأوقات الأهمّ من حياته وأكثرها قيمة تمحورت حول العائلة وحول خدمات المساعدة التي قام بها لكلّ مَن يحتاجها. ولحسن الحظ نجا آدم من الكارثة وأحسّ أن القدر قدّم له فرصة جديدة للحياة وأنّه يجب أن يعرف سبب وجوده هذه المرّة بينما يعيش حياته الجديدة بامتنان كبير

 

تابع آدم رحلة الخروج من دائرة الأمان وبدأ في استكشاف المناطق النامية أو الفقيرة مما وسّع آفاقه وبدّل طريقته في التفكير. وكان مصمماً أنه سيختار ولداً أو بنتاً من كلّ منطقة ليسألهم سؤالاً واحداً ويجمع أجوبتهم للذكرى. والسؤال "ما أكثر شيءٍ تُريد الحصول عليه إذا استطعت؟" أضفى عليه دهشة كبيرة لأنّ أجوبة الصغار لم تكن متوقّعة بالمرّة. وبدلاً من يسمع أجوبة مثل "سيّارة" أو "بيت" أو "آلة" قالوا له "كتاب" و"قوى سحريّة" و"الرقص"! حتّى وصل إلى الهند، وهناك صُدم آدم بمستوى الفقر الذي لم يسبق أن شهد له مثيل، واختار صبياً كان يتسوّل على الطريق ليطرح عليه نفس السؤال، فهل يُمكنكم أن تتخيّلوا جوابه؟ قال: "أريد قلماً" !ا

سيطر الذهول على آدم عندما سمع كلمات الصبي! وفوراً أعطاه القلم الذي معه مما أفرح قلب الصبي وأسعده. وعرف آدم أنّ الإحساس بالعجز عن تغيير حياة أي إنسان بسبب حواجز العمر أو المال أو السُلطة هي فكرة وهميّة خاطئة، وأنّ عملاً واحداً بسيطاً يُمكنه أن يُحدث الفرق في رحلة الناس مِن حولنا

بعد هذه الرحلة ورحلات أخرى مشابهة وزّع فيها آدم الكثير من الأقلام على الأولاد والبنات الصغار وقضى وقتاً طويلاً يُحاورهم ويتكلّم مع أهلهم، ولاحظ أنّ أهمّ ما يفتقده هؤلاء الأطفال كان العِلم. ثمّ تخرّج مع مرتبة الشرف وعمل في شركة من أكبر الشركات كان الحصول على وظيفة فيها حلماً بالنسبة إليه. إلا أنّه لم يكن مرتاحاً. أحسّ أنّه لا يعيش حياةً تُشبهه. ولحسن الحظ أتت الصدفة التالية التي اقترب بواسطتها من تحقيق أسباب وجوده والعيش بطريقة تتماشى مع أهدافه. وما كانت تلك الصدفة غير قبوله دعوة إلى أمسية موسيقية! وركّز عينيه على المسرح ورأى الموسيقيين يعزفون بتناغم وجمال، ثم راقب عازف البيانو الذي انفرد بالمسرح ولاحظ كم هو شغوفٌ بالموسيقى الرائعة التي تتولّد من أنامله وكم يُحقّق ذاته من خلالها. وتمنّى لو أنّ له شغفاً مثل ذلك العازف، وفجأة ومن دون سابق إنذار لمع في رأسه اسم “أقلام واعدة”، الجمعيّة التي أسّسها مباشرةً بعد الأمسية بوديعة لا تتعدّى الـ 25 دولاراً أمريكياً كخطوة صغيرة لمشروع بناء مدرسة واحدة. والجميل في الأمر أنّه أهدى هذا العمل إلى جدّته تكريماً لها ولتضحياتها. أعطى آدم هذه الجمعية مِن جهده ووقته قدر استطاعته ولكنّ المسؤولين في الشركة لاحظوا أنّه يتغيّب كثيراً عن العمل بسبب انشغاله بالجمعية فطلب منه مسؤول الموارد البشريّة أن يتّخذ موقفه بوضوح. فإمّا أن يتفرّغ آدم تماماً لعمله ويلتزم به وبساعات العمل أو أن يترك الشركة نهائياً، وأعطاه مهلة للتفكير. رجع آدم إلى بيته ذلك النهار ليعثر على علبة كرتون أمام البيت تنتظر أن يأخذها عمّال النظافة وتحمل رسماً لفنّانٍ مشهور كتب عليها "كُن حلمك"! هل أخذ آدم الصدفة هذه على محمل الجد؟ بالتأكيد نعم! ترك عمله في الشركة وتفرّغ لـ المؤسسة الخيرية "أقلام واعدة" التي اشتهرت وأنشأت المئات من المدارس وما زالت مستمرّة في هذا الهدف النبيل حتّى هذه اللحظة

إفهَم الغاية من وجودك وبعدها ستكون حياتك عبارة عن رحلة استثنائية. ولتعرف الهدف من وجودك عليك أن  تخرج مِن دائرة الأمان - آدم براون

قصّة آدم براون استثنائيّة بالفعل، ولكنّه حسب قوله إنسانٌ عاديّ! فهل السرّ في الأسئلة التي سألها لنفسه، أو الخطوات التي أزعج نفسه بها عندما كسر حواجز الخوف والروتين، أو الصدف التي توقّف عندها ليبني عليها ردود فعله، أو كلّ هذه الأمور مجتمعة؟ نتمنّى لكم رحلة مثمرة استثنائية!

 

،

كتبت كلمة "الصدف/ة" في القصة لأنها الكلمة المتداولة، لكن معنى الصدفة الحقيقي بالنسبة لي هو: خطة إلهية ورسائل إلهية لحياة أكثر صدقاً واتصالاً بذواتنا. وهذه هي قناعة آدم براون الذي يعتبر هذه "الصدف" نوعاً من المساعدة من السماء وهو متأكّد أنّ جميعنا يحظى بها إذا انتبهنا جيّداً.

 

من الدروس التي تعلمتها في القصة أنّ مهما أحسنتُ التخطيط وتنفيذ الخطة، تبقى الخطة الإلهية أعظم وأقرب لروحي، وكل ما عليّ فعله هو الانتباه لتلك الإرشادات الصغيرة في رحلة الحياة

 

تعلمت أنّ الناس الذين قد نراهم خارقين هم في الحقيقة أناس مثلنا، ليس أفضل أو أقل منّا، لكن بكل بساطة واجهوا خوفهم وبحثوا عن الغاية الأعظم من وجودهم

 

تعلمت قوة التدرّج وأنّ غالباً التدرّج طريقاً متزناً، انتباه آدم للصدف "الخطة الإلهية" واتباعها لم يكن فجائي وعلى عجل، بل حدث بعد ظهور عدة رسائل إلهية واضحة في نفس الطريق. كما أنه تدرّج بتأسيس الجمعية الخيرية بمبلغ لا يزيد عن 25 دولار، وتدرّج في النمو حتى بنى اليوم أكثر عن 500 مدرسة في ثلاث قارات!

 

في الأخير يا صديقي العزيز لا تستهين بقوة عطائك، فالكلمة الطيبة عطاء! وكلمة طيبة قد تغير مجرى حياة إنسان بالكامل للأفضل!

 

 شاركونا تعليقاتكم

 

 شو أكثر شي كان ملفت للانتباه بالنسبة لكم في القصة؟

شو الشي اللي فعلاً لامس قلوبكم؟

شو أهم درس تعلمتوه من القصة؟

 

،

 

المراجع

مقابلة جميلة جداً جداً مع آدم بروان

 https://youtu.be/pG53tqz3jNY

 

اسم"اقلام واعدة" ترجمة حرفية لاسم المؤسسة الخيرية

 اسم المؤسسة الخيرية باللغة الانجليزية هو

pencils of promises

 

اسم الرحلة البحرية باللغة الانجليزية

 semester at sea

 

1 comment

جميلة

القصة جداً رائعة وتحفز الشخص بينظر لحياته اكثر من كونها منصب وظيفي وطبقة اجتماعية وغيره، ويوعى انه لوجوده دور عظيم اكبر منه فقط لو يؤمن وينتبه. جداً ملهمة شكراً ليكم

Leave a comment