ماري فورليو... تعدّدت اهتماماتها فعزّزت نجاحاتها

 

مَن قال إنّ تعدّد الاهتمامات قد يُعرقل طريقك إلى النجاح؟ بالنسبة إلى ماري فورليو، كان تعدّد اهتماماتها أساساً في نجاحها وإلهاماً لمن حولها حتّى يُحاول كلّ إنسانٍ أن يحظى بما يُحبّ ويستحقّ

 

(مصدر الصورة من موقع ماري فورليو)

 

هي صاحبة شركة "فورليو إنترناشونال" التي بلغت عائداتها أكثر من 40 مليون دولار والتي أسّستها فورليو في الـ 33 من عمرها لتُدرّب الآلاف في عالم الأعمال والتنمية الذاتية. عندما تُعرِّف عن ذاتها لا تستطيع الاختصار، فهي مزيجٌ مِن عدّة اهتمامات لأنّ الحياة أكبر من أن تحصر المهام التي تقوم بها تحت عنوان واحد فقط. فهي رائدة أعمال، ومدرّبة حياة، ومدرّبة رقص في وقتٍ سابق، وكاتبة مقروءة، ومذيعة تستضيف المميّزين على قناتها الشهيرة ماري تي في

 

خاضت ماري مجال العمل منذ أن أصبحت في التاسعة من عمرها لتعمل كجليسة أطفال، واستمرت تقتنص الوظائف طوال فترة صباها إذ كانت تُحبّ أن تملأ أوقات فراغها وتوفّر مصروفها الشخصي. وكانت تعلّمت مِن أمّها شيئاً مهماً شكّل ركيزةً لخطواتها الكثيرة التي أقدمت عليها فيما بعد. ففي أيّامٍ كثيرة كانت تعود ماري إلى المنزل لترى والدتها مستغرقة في العمل على إحدى زوايا المنزل بدون مساعدة مِن أحد، فهذا هو الأسلوب الذي اتّبعته لتوفّر ما يُمكن توفيره مِن مصاريف. فإذا كان الأمر بحاجة إلى بلّاط حلّت الأمّ مكانه وقامت بالعمل، وإذا احتاج الأمر إلى بنّاء للأسقف تسلّقت الأمّ سطح البيت لتُصلح السقف بنفسها! حتى جاء اليوم الذي رأت فيه ماري والدتها وقد فكّت جهاز الراديو الذي تُحبّه وفَرَدت جميع أجزائه على طاولة المطبخ لإصلاحه. هناك لم تتمالك ماري نفسها لتسأل والدتها "كيف تستطيعين أن تقومي بكلّ هذه الأشياء المختلفة بدون أن تتعلّميها مِن أحد؟" فهذه كانت حقبة الثمانينات ولم يكن قد سمع أحدٌ بالإنترنت ولا باليوتيوب أو جوجل. فأتى ردّ والدتها ليكشف لها السرّ. بسيطة! إسمعي يا حبيبتي، ليس هناك شيءٌ معقّد في الحياة إلى هذه الدرجة، فقط شمّري عن ساعديكِ وانزِلي إلى ساحة العمل، كلّ شيءٍ ممكنٌ تعلّمه


 
ومِن دون أن تدري فتحت السيّدة باباً واسعاً لابنتها كي ترى العالم بعيونٍ جديدة بدءاً مِن تلك اللحظة لتتردّد أصداء تلك الجملة "كلّ شيءٍ ممكنٌ" في رأسها آلاف المرات وتُصبح شعاراً تحيا به

 

أمّا الدرس الثاني الذي تعلّمَته ماري مِن أمّها فكان الانتباه إلى صوتها الداخليّ. "داخل كلٍّ منا صوتاً صغيراً يُنبّهنا إلى ما نحتاج معرفته، تعلّمي أن تستمعي إليه وألا تتجاهليه." حفظَت ماري هذا الدرس العظيم. وسنجد أنّ صوتها هذا كان دافعاً أن تُغيّر رأيها في مواقف حاسمة لتعيش الحياة التي تُشبهها فيما بعد. فكم مِن لحظة مرّت عليك حين سمعتَ صوتك الداخلي يبوح لك بأمر لتتبعه وتكتشف كنزاً ما؟ أو تجاهلته ظناً منك أنّك أعقل مِن أن تتبع همساً يلوّح لك بأمرٍ مغاير للمنطق؟

 

لم يكن المال هوساً بالنسبة إليها، ولكنّها كانت مصمّمة ألّا يحول المال بينها وبين أيّ شيءٍ مستقبَلاً، خصوصاً أنّها شهدت بعض الخلافات الحادّة بين أهلها بسبب هذا الموضوع. وهكذا قرّرت أن تدرس "إقتصاد الأعمال" (في الأصل أرادت أن تدرس علم النفس ولكن إثر سماعها لملاحظة غير منطقية مِن أحد الأساتذة قررت أن تستبدل الاختصاص) وتخرّجت بتفوّق لتستلم وظيفتها الأولى في بورصة نيو يورك المفعمة بالحيوية والديناميكية تماماً مثل شخصيتها! كان الحماس سيّد الموقف في البداية، فالوظيفة تبدو مثالية إذ تتطلّب حركة مستمرّة ومتابعة حثيثة للأمور وهو ما بدا مثالياً بالنسبة إليها. لكن بعد مرور شهور بدأت ماري تشعر بالضيق مِن المكان. فبدأ قلبها يُحدّثها أنّ هذا المكان ليس مكانها، وأنّها يجب أن تبحث عن وظيفة أخرى. وما أكّد لها هذا الإحساس هو ملاحظتها للموّظفين هناك، فمعظمهم لم يكن سعيداً حقاً، فهم يعملون وأنظارهم مسلطة على إجازاتهم وبرامجهم المنتظرة. لكنّها كانت محتارة بشأن هذا القرار وحزينة بمجرّد التفكير فيه، فبعد قضاء 4 سنواتٍ في الجامعة، وبعد المشقّة التي مرّ بها والدَيها كي يوفّرا لها هذه الفرصة التعليمية (كانت أوّل مَن تخرّج مِن الجامعة في عائلتها) لم ترغب ماري في خذلان أهلها وتضييع هذه السنوات، خصوصاً وأنّها لم تكن تعرف ما الذي تريده بالضبط وما هي الوظيفة البديلة التي يجب أن تجدها؟ وفي يوم قرّرت أن تبوح بما في قلبها لأبيها الذي هدّأ أفكارها وسهّل لها فكرة ترك هذا العمل، وأفهمها أنّ الإنسان يجب أن يُحبّ عمله فلا بأس مِن تجربة شيءٍ آخر. ولم يكن موضوع المال همّاً فهي اعتادت أن تعمل منذ صغرها لتُعيل نفسها فلم يقلق والداها عليها لهذه الناحية

 

بعد ذلك وجدت ماري وظيفة أخرى في قسم المبيعات بداخل مجلّة تُعنى بفنون الطعام فكانت متحمّسة لهذا العالم الجديد، خصوصاً أنّ مكتبها كان بجانب المطبخ فكانت هي أوّل مَن يتذوق الوصفات الجديدة. لكنها وبعد عدّة شهور سرعان ما شعرت بنفس الإحساس الذي شعرت به مِن قبل، فثمّة ما يقول لها إنّ مكانها ليس هناك، كانت تنظر إلى مدراءها وتعلم في قرارة نفسها أنّها لا تُريد أن تأخذ مكانهم في المستقبل. أحسّت بالقلق وأصبحت تشكّ في نفسها، فهذه الوظيفة الثانية التي تُريد تركها. وما زالت لا تعرف سبب هذا الضيق الذي ينتابها كلّ مرّة. وبعد تفكير وتحليل اقتنعت أنّها إذا عملت في نفس المضمار لكن داخل القسم الإبداعي ربّما ستُحلّ مشكلتها فانتقلت لتعمل في مجلّة "مادوموازيل" في باب الأزياء وكلّها أمل أن تكون قد وجدت ضالّتها أخيراً



أمّا الحدث الذي لم يكن عابراً وأدركت هي أنّه لا يجب أن يكون عابراً فهو المقال الذي قرأته مرّة أثناء عملها في هذه المجلّة سنة 1999. كانت المرّة الأولى التي تقرأ فيها ماري عن "تدريب الحياة" أو ما يُسمّى بالـ "لايف كوتشينج" الذي كان في أولى بداياته ولم يكن قد انتشر بعد مثلما هو معروفٌ الآن. وضمن المقال كان هناك إعلان عن برنامج دراسي عن بُعد لمدة ثلاث سنوات للمهتمّين. تقول ماري "فجأة انقشعت الغيوم"! مجرّد عِلمها بتوفّر مجال العمل هذا أذهلها وخطف أنفاسها. بالطبع، هذا هو المنطق بعينه، فالمهارات التي يجب أن يتعلّمها الجميع لم تتطرّق لها المدارس ولا الجامعات للأسف، خصوصاً وأنّها كانت تقرأ كثيراُ في مجال التنمية الذاتية وتمنّت لو يعرف الجميع ما تعرفه.  وعلى قدر فرحتها بهذا الاكتشاف وحماسها للتسجيل في البرنامج الدراسي ساورتها شكوكٌ هائلة بشأنه. ففي الثالثة والعشرين من عمرها سألت نفسها مَن سيأخذها على محمل الجد وهي بعد صغيرة لتكون مدرّبة حياة؟ خصوصاً أنّ المجال برمّته ليس معروفاً أبداً ويبدو الانضمام إليه مخاطرة كبيرة! لكنّها كانت واعية جداً لصوتها الداخلي الذي أكّد لها أنّ تدريب الحياة هو ما كانت تبحث عنه طول عمرها. فما كان منها غير أن تسجلت في البرنامج الدراسي لتكون موظفة في النهار وتلميذة في الليل

 

أمّا القرار الثاني الذي اتّخذته بشجاعة فكان عندما طلبوا منها في الشركة الانضمام إلى مجلّة "فوغ" العريقة، فرفضت ماري هذا العرض وتركت عملها لتُكرّس وقتها في ملاحقة حلمها الجديد. إحتاج الأمر إلى شجاعة بالفعل، فهي تخلّت عن العمل في مجلّة عالمية يحلم الكثيرون بالانضمام إليها وأيضاً فضّلت المخاطرة على أن تستلم راتباً مضموناً آخر كلّ شهر. ومع أنّ الخطوة لم تكن منطقيّة لها ولكنّ شعورها القويّ تجاه التدريب تغلّب على كلّ منطق. وكانت واثقة أنّها تستطيع أن تُعيل نفسها عبر القيام بأعمالٍ جانبية لحين تحقيق شيءٍ ملموس

 

وبدأت بخطوةٍ أولى في تسويق نفسها فأنشأت نشرتها الإعلامية التي حرصت كلّ الحرص على ضمّ أكثر عدد مِن المشتركين إليها عند كلّ فرصة. وحتّى في الأماكن التي كانت تعمل فيها كانت تُحدّث الناس عن شغفها وتُسجّل عناوينهم لتبعث بنشرتها إليهم. وقضت ماري 7 سنوات تعمل في شتّى الوظائف لتُنفق على نفسها، فعملت كنادلة في معظم الوقت. ولأنّها كانت شغوفة بالرقص على موسيقى الهيب هوب كانت أيضاً جادّة في ملاحقة هذا الشغف أيضاً فأصبحت مدرّبة رياضية لرقص الهيب هوب، وامتلأت صفوفها بالتلاميذ لدرجة أنّ شركة نايكي اختارتها لتكون مِن ضمن مدرّباتها عام 2005. وهكذا عملت ماري فورليو على ثلاث جبهات، التدريب الرياضي وتدريب الحياة بالإضافة إلى وظيفتها الليلية كنادلة بينما هي تدرس وتتمرّن وتُسوّق لنفسها كمدرّبة حياة بفضل الصداقات والعلاقات التي أنشأتها. وشيئاً فشيئاً توسّعت قاعدة عملائها لتشمل المئات مِن المتابعين والمهتمّين. وفي هذه الأثناء لاحظت ماري أنّ كثيراً مِن النساء اللاتي تعرّفت عليهنّ واجهنَ مشاكل عاطفيّة، فنشرت كتاباً عن المواعدة سمّته " كيف تجعلين كل رجل يريدك" لقي الكثير مِن الاستحسان. هكذا صقلت حبّها للكتابة الذي نجم 

Everything is Figureoutable عنه كتابٌ ثانٍ بعد سنوات ليشتهر حول العالم هو 

 

وبقدوم عام 2010 كانت فورليو قد أنشأت شركتها الخاصّة في التدريب لتؤسّس في السنة الذي تليه برنامجها الدراسي عبر الإنترنت حول ريادة الأعمال. وتخطّى عدد الذين درّبتهم 55,000 طالب وطالبة في أكثر مِن 148 بلداً حول العالم. كما أنّها تستضيف أناساً لهم قصص مميّزة كلّ أسبوع بهدف نشر التوعية حول الأعمال والتنمية الذاتية

 

الانبهار بهذه الشخصيّة العفويّة والعصاميّة التي أصغت جيّداً لحدسها وعملت على تحسين وضعها ولاحقت شغفها هو تقديرٌ تستحقّه ماري فورليو. ولكنّ الأهمّ مِن ذلك هو معرفة الطرق الإيجابية التي فكّرت بها في كلّ خطوة أقدمت عليها. هي أساليب في التفكير وقناعات تستطيع رؤية الممكن وبالتالي اللحاق بهذا الممكن

 

، 

:هذه بعض الدروس المفيدة التي استخلصناها مِن قصّة ماري فورليو

 

لا تدع عامل الوقت يُحدّد مصيرك! عندما رغبت ماري فورليو في ترك العمل لدى بورصة نيو يورك ترددت قليلاً لأنها استثمرت السنوات الأربع الأخيرة في دراسة مادّة اقتصاد الأعمال في الجامعة، ولكنها في النهاية سارت إلى الأمام وتبعت إحساسها بدون التحسّر على تلك السنوات

أعطِ مواهبك حقّها وقدِّرها، ولا تحرِم نفسك منها ومِن شغفك. فمَن يعلم، قد تكون تلك المواهب مصدر قوّة في طريقك للنجاح

أنت تعلم ما يُناسبك أكثر مِن أيّ إنسانٍ آخر، فاتّبع قلبك وحدسك ولا تضع خياراتك بين أيدي الناس. بالطبع، طلب النصح والمشورة مِن العارفين أمرٌ مهمّ ولكنّك الوحيد الذي تعرف تماماً ما ينسجم مع قِيَمك وشخصيّتك وأسلوب حياتك

قصص الناجحين موجودة حولنا بكثرة لنتعلّم منهم ومِن تجاربهم. وكلٌّ منهم نجح بطريقته، وأنت أيضاً لك طريقتك المختلفة في النموّ وأسلوبك المميّز في الازدهار، فاحرِص على أن تكون نفسك بدون أن تنسخ نجاحات الآخرين أو تُعممها على حياتك أو تُقارن بينك وبينهم. تذكّر دائماً أنّ المقارنة تخطف البهجة
 Comparison is the thief of joy كما قال ثيودور روزفلت

الحضور في كلّ شيءٍ تقوم به له أثرٌ رائع في حياتك. حاوِل أن تُركّز تماماً في كلّ ما تقوم به بدون التفكير في شيء آخر، مهما كان العمل مملّاً أو غير مهمّ بالنسبة إليك. عندما عملت ماري فورليو كنادلة في المطاعم كانت تبذل جهدها لتكون حاضرة بل ومستمتعة فيما تقوم به. تخيّل أنّ وظيفتها الأولى في بورصة نيو يورك أتت بواسطة أحد الزبائن في المطعم حيث كانت تعمل! لاحَظ وقتها ذلك الزبون كم كانت متفانية في عملها وتوسّط لها كي تعمل هناك

 

شاركنا شو اللي لفت انتباهك في قصة ماري فورليو ؟

وشو اهم درس تلعمته من القصة ؟

 

،

 

:مراجع جداً جميلة وملهمة لقصة ماري فورليو 

المرجع الثالث مفيد جداً للطلاب:

 

 

 

Leave a comment