سارة بليكلي.. المليارديرة التي فشلت قبل أن تنجح

 

مَن يُشاهد سارة بليكلي تتحدّث عن مسيرتها في عالم الأعمال يُدرك أنّ الأمور تسير بالإستمرار وبالشغف والإيمان

 

 

(الصورة مأخوذة من برنامج أوبرا وينفري)

 

كيف أسّست سارة شركة استحوذت على اهتمام أوبرا وينفري بعد شهرٍ واحد على تأسيسها برأس مال لم يتجاوز الخمسة آلاف دولار مِن مدّخراتها لتتخطّى قيمة هذه الشركة نصف مليار دولار فيما بعد؟ هذا ما سنعرف تفاصيله وما سوف تُدهشنا بساطته في بقيّة هذه القصّة

 

لا شكّ أنّك حينما تعرف يقيناً أنّك في المكان الخطأ ستعمل جاهداً لتغيير هذا الوضع مهما كلّفك الأمر. وهذه بالضبط نقطة الانطلاق التي بدأت منها سارة. بعد أن تخرّجت مِن الجامعة رغبَت في العمل بمهنة المحاماة مثل أبيها فتقدّمت لامتحان الدخول ولم تنجح، ليس مرّة ولكن مرّتين. ثمّ خطر لها أن تذهب إلى ديزني لاند وتعمل هناك كشخصيّة ترفيهيّة ولكنها لم تستطع البقاء في هذه الوظيفة لأكثر من ثلاثة أشهر. ثمّ وجدت وظيفة مندوبة مبيعات لشركة تبيع أجهزة الفاكس واستمرّت تعمل فيها لمدة سبع سنوات كاملة، ومع أنّها كانت تُحسن البيع – بدليل أنّ الشركة أعطتها ترقية - إلا أنّها كثيراُ ما كانت تخرج شبه مطرودةً مِن الشركات التي تردّدت عليها وكثيراً ما مزّقوا بطاقة أعمالها في رفضٍ تامّ لما كانت تبيعه، حتّى كانت اللحظة التي غيّرت كلّ شيء، لحظة الوقفة مع الذات. "أشعر أنّي في الفيلم الخطأ! كيف حصل هذا؟ لا أريد أن أعيش حياتي بهذه الطريقة." وقتها أخرجت دفترها وبدأت تستعرض مواهبها والأشياء التي تُحسن القيام بها لتستنتج أنّ موهبتها في البَيع والتسويق هي الغالبة على كلّ المقدرات الأخرى. ثمّ كتبت في مذكّرتها أنّها ستخترع شيئاً مفيداً يوماً ما وسوف تبيعه لملايين الناس

 

وفي إحدى الليالي قرّرت سارة أن تُلبّي دعوة إلى حفلة وأخذت تستعرض الملابس في خزانتها لتختار ما ستلبسه، فراحت تنظر إلى السروال الأبيض الذي طالما أرادت أن تلبسه ولكنّها لم تجرؤ أبداً أن تخرج به. فمثل بقيّة نساء العالم يُشكّل السروال الأبيض تحدٍّ لهنّ نظراً إلى ما يُمكن أن يكشفه، وفي العام 2000 كانت خيارات الثياب الداخلية المريحة محدودة جداً لما يُمكن أن تلبسه المرأة أسفل الثياب الفاتحة. وبكلّ بساطة قرّرت سارة أن تضع حلّاً لهذه المشكلة فأتت بجوربٍ من جواربها التي تشدّ الجسم وبالمقصّ قطعت مكان القدم من الجورب وجرّبت هذا الجورب الجديد تحت السروال الأبيض لتكتشف أنّها قامت باختراق في هذا المجال! فها هي تلبس شيئاً مريحاً يُخفي تفاصيل جسمها ويشدّه بلا أي نتوءات، بدون اللجوء إلى الخيارات الأخرى غير المريحة في الأسواق. وكانت هذه هي الفكرة التي قرّرت سارة بليكلي أن تتابعها حتّى الرمق الأخير! إلا أنّ هذه "القطعة" كانت بحاجة إلى المزيد من التعديلات لمنعها من الالتفاف على نفسها. ومعنى هذا أنّها بحاجة إلى صنع نموذج بواسطة مصنعٍ متخصّص

  

سلسلة كاملة من الخطوات أخذت تمشيها سارة للوصول إلى النموذج الذي كانت تطمح إليه. كانت تتّصل بمصانع الأقمشة المتخصصة في صنع الجوارب والملابس الداخلية لتنتهي جميع محاولاتها بالفشل. فلم يكن أحداً مهتماً بسماعها أصلاً، والذين صبروا عليها أثناء المكالمة عبّروا لها بوضوح عن عدم اهتمامهم بالفكرة. فقرّرت أن تُسافر إليهم وتلتقي بهم شخصياً. أخذت إجازة مِن عملها في الشركة لمدّة أسبوع لتزور تلك المصانع وتُقنعهم بفكرتها. وأيضاً كان الرفض مصير تلك الزيارات. خصوصاً أنّ سارة زارتهم بصفتها الشخصيّة بدون دعمٍ ماليّ مِن أحد أو انتدابٍ من شركة فلم يأخذها أحد على محمل الجدّ. وعادت إلى مدينتها في أتلانتا بدون نتيجة. لكنّها كانت مخطئة! تفاجأت بأنّ أحد المصنّعين غيّر رأيه واتّصل بها ليُخبرها بأنّه مستعدّ لإنجاز فكرتها "المجنونة"! والسبب أنّ بناته الثلاث شجّعنه على متابعة هذه الفكرة بعدما عرفن بقصّة سارة وبما تريد اختراعه. فكانت هذه أوّل عقبة تُزال في طريقها لتُباشر سارة مهمّة صنع القطعة - النموذج بمساعدة صاحب المصنع. سنة كاملة قضتها سارة في التنقل بين منزلها في أتلانتا والمصنع في نورث كارولاينا في نهاية كل أسبوع أو في الإجازات التي أخذتها من الدوام حتّى تُنهي العمل على النموذج الأوّلي

 

وهنا درسٌ يجب علينا أن نتوقّف عنده. فخطوط النجاح في معظمها متعرّجة قبل أن تكون متصاعدة. بعض الأشياء الضروريّة سنتعلّمها فقط بعد مرورنا بتجاربٍ محدّدة قد لا نعرف قيمتها إلا لاحقاً. بالنسبة إلى سارة، علّمتها السنوات التي باعت فيها أجهزة الفاكس ألا تنزعِج من كلمة "لا" التي قيلت لها بكثرة آنذاك. فمَن يُريد أن يخترع مُنتجاً جديداً قد يصطدم بالرفض مراراً وتكراراً في بداية الطريق قبل أن يحصل على "نعم" واحدة. وهو ما ساعدها على تحمّل الرفض والسير إلى الأمام كأنّها لم تسمع شيئاً

 

أمّا العقبة الثانية التي اعترضتها فهي الثمن الذي يجب أن تدفعه إلى أيّ محامي ليُسجّل لها براءة الاختراع. وهي لم تدّخر سوى خمسة آلاف دولار فلم تكن مستعدّة أن تتخطّى الميزانيّة التي وضعتها مِن أجل المشروع. فما كان منها غير أن كتبت براءة اختراعها بنفسها! بالفعل، توجّهت إلى مكتبة معروفة واشترت كتاباً تعليمياً عن تسجيل براءات الاختراع والعلامات التجارية وسهرت الليالي الطوال حتى أنجزت هذا الهدف. وساعدها أحد المحامين في كتابة الجزء القانوني بعد أن طلبت منه ذلك لقاء مبلغٍ مُخفّض.  وكانت أيضاً في هذه الأثناء تبحث عن اسمٍ مُلائمٍ لمُنتجها فأجرت بحثاً طويلاً عن أفضل الطرق لإطلاق الأسماء على المُنتجات بهدف تسويقها

 

أيّ جهدٍ هذا الذي بذلته سارة في سبيل حلمها، تعمل بدوامٍ كامل وتقود سيّارتها في نهاية كلّ أسبوع لتزور مصنع الأقمشة بينما هي تعمل بصمتٍ كلّ ليلة لتُجري المزيد مِن الأبحاث وتقرأ ما هي بحاجة إلى معرفته؟ "تذكّروا أين كُنت" تُجيب مَن يسألها عن هذه القدرة في ملاحقة الحلم. كانت فعلاً تريد التغيير

 

بقيت مسألة التغليف. لم يكن لدى سارة المال الكافي للدعاية والإعلان فحاولت أن تجذب انتباه العملاء إلى منتجها قدر المستطاع عن طريق تغليفه بشكلٍ مُبدِع. وكالعادة فكّرت بطريقتها العمليّة وقرّرت أنّها ستختار اللون الأحمر على غلاف المنتَج، إذ لم يسبق لشركة مماثلة أن اختارت اللون ذاته على غلاف، كما انتبهت أنّ معظم الأغلفة تشبه بعضها فلم تكن هناك أيّة تفاصيل أو معلومات مفيدة تشرح أيّ شيء عن المُنتَج بداخلها، وبمساعدة صديقتها أضافت ثلاثة رسوم كارتونية لنساء يظهرن بالمشدّ مع تفاصيل كثيرة، وأيضاً لم يكن هذا الأسلوب شائعاً من قبل

 

وبعد أن أصبح كلّ شيء جاهزاً بدأت سارة بالتسويق لمُنتجها الذي أطلقت عليه اسم "سبانكس" والذي سجلته اسماً لشركتها وعلامتها التجارية وبراءة الاختراع. اتّصلت بأحد أكبر المتاجر في الولايات المتحدة "نيمان ماركس" وذهبت في موعدٍ لتبيع منتجها إليهم، وتروي سارة الموقف المضحك الذي وضعت نفسها فيه هناك. ففي حديثها إلى المسؤولة عن المشتريات أحسّت أنّها لم تجذب انتباهها بما فيه الكفاية فببساطة طلبت منها الذهاب معها إلى الحمّام لتُظهر لها كفاءة المِشدّ عند لبسه والفرق من دونه. ووقتها فقط أدركت السيّدة المسؤولة أنّ المُنتج يستحقّ أن يُعرض في صالات المتجر وقبلت أن تعرضه في سبعة فروع مرّة واحدة! وبعد طول عناء وتنسيق مع المصنع لتأمين الكمّيات الهائلة لتلبية طلبات متجر "نيمان ماركس"، تولّت سارة مهمّة شحن الطلبات بنفسها إذ لم يكن لديها شركة شحن أو تعاقُد مع شركة! وأوّل فعلٍ تسويقيّ قامت به هو مكالمة زميلات كانوا معها في المدرسة لم تلتقِ بهنّ أو تُكلّمهنّ مِن عشرات السنين لتطلب منهنّ أن يذهبن لشراء منتجها على أن تُرسل لهنّ المبلغ فيما بعد! تصرّفت بذكاء فهكذا ستتم تجربة المِشدّ وفي نفس الوقت ستُحدث نوعاً من الحركة والزخم لمُنتجَها في المتجر

 

أمّا الحدَث الذي لم تتوقّعه سارة أبداً فهو مكالمة فريق "أوبرا وينفري" لها بعد شهرٍ واحد يُبلّغونها أنّ أوبرا اختارت مُنتج "سبانكس" مِن ضمن المًنتجات التي تُفضّلها تلك السنة! والسبب أنّ سارة كانت قد أرسلت لأوبرا هديّة لتجربة المِشدّ، ولم تتردّد أوبرا في تجربته، وبحسب قولها فهي ظلّت ترتديه منذ ذلك الحين

 

تبدو قصّتها على وشك الانتهاء هنا، فها هي قد وصلت لمبتغاها فاخترعت منتجها الذي أصبح حقيقة ملموسة مغلّفة أمام أعينها، مع دعاية مذهلة غير متوقّعة في برنامج أوبرا، مع اتفاق ممتاز مع أحد أكبر المتاجر بفروعه السبعة. كما أصبح لديها فريقٌ مصغّر لإدارة الشركة. وكان بإمكانها التفكير بأنّه آن الأوان لترتاح قليلاً بعد سنتين متواصلتين من السهر والكدّ والعمل، لكنّها في الواقع ضاعفت جهودها عند هذه النقطة بالذات وبدأت مهمّتها الجدّية في التسويق. فقامت بزيارات متتابعة لفروع المتاجر الكبيرة مثل "ساكس" و"بلومينغدايلز" قبل أن تفتح أبوابها في الصباح لتجتمع مع جميع الموظفين وتُقدّم لهم العروض عن فكرة المُنتَج ثمّ تقف معهم طوال النهار لتتابع الزبائن وتقترح عليهم شراء مشدّها العجيب

 

وهكذا تابعت سارة بليكي نموّها المُدهش وتوسّعت شركتها لتشمل الولايات المتحدة الأمريكية كاملةً وخرجت بعلامتها التجارية "سبانكس" إلى العالم وأصبحت موجودة في أكثر مِن أربعين بلداً لتُصنّفها مجلة تايمز الأمريكية عام 2012 مِن بين أكثر مئة شخصية مؤثرة في العالم. كما أنّها أنشأت "مؤسّسة سارة بليكلي" لدعم النساء في التعليم والمشاريع الناشئة

 

، 

 :هنا بعض الدروس المفيدة التي استخلصناها مِن قصّة سارة بليكلي

 

*

أهمية الصدق مع الذات، مجرد لحظات أو ساعات أو حتى أيام من الوقفة والصدق مع الذات يُمكنها أن تُغيّر مسار حياة الشخص بالكامل

*

عليك أن تصف مُنتَجك بدقيقتين كحدّ أقصى بطريقة واضحة وقصيرة. إذا لم تقنع العميل بأنّ الحلّ عندك لمشكلته فاشرَح له ماذا يُميّزك عن البقيّة ولماذا أنت الأفضل 

* 

المخيّلة ثمّ المخيّلة. يجب أن ترى نفسك في المكان الذي ترغب فيه، أو تتخيّل نفسك بالضبط كما تحلم أن تكون. سارة بالفعل كانت ترى نفسها في مقابلة مع أوبرا مع أنّها لم تكن تعلم ما هو الموضوع الذي يجمعهما! وتحقّقت رؤيتها بالفعل عام 2006 وقابلتها أوبرا في برنامجها

 

حافِظ على سرّيّة اختراعك ولا تُخبِر أحداً به قبل الوقت المناسب. الأفكار هشّة جداً في البداية والأقرباء قد ينسفونها رغبةً منهم في نصحنا بعدم المضي قُدُماً في فكرة قد لا تُعجبهم. بالنسبة إلى سارة فهي لم تُطلع أحداً على فكرتها بما فيها أفراد عائلتها إلا بعد مرور سنة كاملة 

الفكرة مِن الفشل أنّك أقرب إلى النجاح إذا فشلت وليس العكس. تقول سارة إنّ والدها زرع فيها أهمّية الفشل. كان يسألها هي وأخيها كلّ يوم عما فشلوا فيه، وكان ينزعج إذا لم يكن هناك ما يُخبرانه به. فأصبح الفشل ضرورياً في تفكيرها

* 

أطلُب المساعدة بدون إحراج. فاوِض ولا تكتفِ بما حصلت عليه إذا كنت تستطيع أن تُحسّن مِن وضعك. لم تشعر سارة بالحَرَج مِن ملاحقة مَن كان في وسعهم أن يُساعدوها ولم تتردّد في طلب المساعدة منهم

 

شاركونا كيف ممكن تطبقون الدروس في حياتكم أو حتي مشاريعكم التجارية ؟

 

 

:مراجع 

 

:مقابلة رائعة مع سارة بليكلي

https://www.youtube.com/watch?v=WSrpZIzAhKU

Leave a comment